الإحتفال بالمولد النبوي

إذا كانت الشعوب والأمم تخلد ذكريات رجالها الذين صنعوا مجدها وتاريخها، وتطلق أسماءهم على ساحاتها وشوارع مدنها حتى تتذكرهم الأجيال بالذكرى الحسنة، فإن أعظم مخلوق عرفته البشرية وأعظم مخلوق غير مجرى حياة الإنسانية وأعظم مخلوق يستحق أن يتذكره الناس وأن يجلوه هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ولو أردنا أن نحصي فضل الحبيب صلى الله عليه وسلم على البشرية جمعاء ومناقبه وأخلاقه العظيمة لما كفانا الدهر كلهألم يقل الله عز وجل:( وإنك لعلى خلق عظيم ) 4 القلم. فمولده صلى الله عليه وسلم منة عظيمة من منن الله سبحانه وتعالى ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) 164 آل عمران.

أفلا يستحق منا هذا المولد وقفة إجلال وتقدير واعتراف وتذكر لصاحب هذا المولد؟ لم يكن الصحابة والسلف رضوان الله عليهم بحاجة لإقامة احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم لأنه كان معهم، يهتدون بهديه ويتخلقون بأخلاقه، وكانوا لا يفارقونه صلى الله عليه وسلم، يأخذون عنه مناسكهم ويتعلمون منه دينهم، كل همهم هو الإقتداء بأخلاقه الكريمة لا يشغلهم عن ذلك شاغل وقد بلغت محبته حدا في قلوبهم أنهم وصفوه وصفا دقيقا وذكروا كم عدد الشعرات السوداء في لحيته ووصفوا مشيته ووقفته وملبسه صلى الله عليه وسلم كما أخبرتنا بذلك كتب السنة والسيرة المشهورة.

ولا أدل على مبلغ هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول عروة بن مسعود لما أرسلته قريش لمفاوضة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية، فرجع قائلا: "والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا". صحيح البخاري لكن لما مر الزمان وانشغل المسلمون وتشتتت بهم هموم الدنيا في شعب شتى حتى ضعفوا ووصلوا إلى ما نحن عليه اليوم، كانت الحاجة إلى وقفة لتذكير المسلمين بنبيهم ومحبته وسيرته وسنته، إذ ما من موحد للقلوب سوى محبته عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم.

إن الإحتفال بالمولد النبوي الشريف لهو مناسبة كبرى لتذكير الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وحياته وصفاته وآثاره ومعجزاته ,إنه مناسبة لتجديد الأفراح ومعاني الإيمان. الراقية والأخلاق العظيمة التي جاء بها الحبيب صلى الله عليه وسلم.